الاكتئاب
محتوى المقالة
ما هو الاكتئاب؟
الاكتئاب هو مرض طبي شائع وخطير يؤثر سلبا على شعورك، والطريقة التي تفكر بها وكيف تتصرف. لحسن الحظ، فإنه يمكن أيضا علاجه. يسبب الاكتئاب مشاعر الحزن و/أو فقدان الاهتمام بالأنشطة التي تمتّعك وتسعدك. ويمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى مجموعة متنوعة من المشاكل العاطفية والجسدية ويمكن أن يقلل من قدرة الشخص على العمل في مقر عمله أو في المنزل.
أعراض الاكتئاب
التاريخ المرضي
المرضى البالغين الذين يعانون من اضطراب اكتئابي كبير قد لا يعانون في البداية من أية اضطرابات في المزاج، أو عدم القدرة على التمتع بالنشاطات اليومية، أو غيرها من الأعراض النموذجية للاكتئاب. في الغالب، أول الأعراض التي يعاني منها المريض والتي تضطره للذهاب إلى الطبيب غالبا ما تكون أعراض جسدية (مثل التعب أو الصداع أو ألام البطن أو تغيّر الوزن). يشتكي هؤلاء المرضى بدايةً من عصبية زائدة أو صعوبة في التركيز عوضًـا عن الشعور بالحزن.
أما الأطفال الذين يعانون من اضطراب اكتئابي كبير فقد تظهر عليهم أعراض مُضَلِّــلــة في البداية مثل التهيج، وتردّي في الأداء المدرسي، أو الانسحاب الاجتماعي والعزلة والانطواء على الذات.
أما المسنّون فيتعرضون غالبا للارتباك أو إلى تراجع عام في الأداء؛ كما قد يعانون من شكاوى جسدية، أو مشاكل في الإدراك والمعرفة مثل تمييز الأماكن ومقدرتهم على التذكر والتحدث بشكل منطقي… إلخ.
يعاني المرضى من حالة مزاجية انزعاجية وحالة حزن وشعور بالثقل أو اللامبالاة وتقلب المزاج. غالبا ما يشتكون أيضا من فقدان الاهتمام أو المتعة في أنشطتهم المعتادة، وصعوبة التركيز، أو فقدان الطاقة والدافع العام. وغالبا ما يكون تفكيرهم سلبيا، وغالبا ما تتلبسهم مشاعر عدم الشعور بالقيمة أو اليأس أو العجز.
مظهر المريض العام
معظم المرضى الذين يعانون من اضطراب الاكتئاب لا يُلاحظ عليهم أيّة تغيرات على مظهرهم العام. أما المرضى الذين يعانون من أعراض أكثر حدةً، تزداد نظافتهم العامة سوءا، فضلا عن تغيرات في الوزن. قد يُظهر المرضى تردّيا في حالة الإدراك والوعي، والذي يتجلى في تباطؤ أو فقدان التفاعلات التلقائية الاجتماعية، وكذلك إظهار لا مبالاة وفقدان التفاعل والتعبير العاطفي مع الآخرين.
قد يكون الكلام طبيعيا أو بطيئا أو رتيبا أو يفتقر إلى العفوية والمحتوى.
يمكن أن تختلف أعراض الاكتئاب من خفيفة إلى شديدة ويمكن أن تشمل على:
- الشعور بالحزن أو وجود مزاج مكتئب
- فقدان الفائدة أو المتعة في الأنشطة التي تجعلك سعيدا.
- التغيرات في الشهية – فقدان الوزن أو كسب الوزن
- قلة النوم أو النوم أكثر من اللازم
- فقدان الطاقة و الشعور بالتعب المستمر
- زيادة النشاط البدني بشكل غير مقصود أو على النقيض تباطؤ الحركات والكلام (و يمكن ملاحظتها من قبل الآخرين)
- الشعور بعدم القيمة والشعور بالذنب دون سبب معين.
- صعوبة التفكير، التركيز أو اتخاذ القرارات.
- أن تراودك أفكار الموت أو الانتحار.
يجب أن تلازمك هذه الأعراض لمدة أسبوعين أو أكثر لتشخيص الحالة.
كما أن المشكلات الطبية الأخرى (مثل مشاكل الغدة الدرقية، وبعض أورام المخ أو نقص فيتامين معين) يمكن أن تحاكي أعراض الاكتئاب ولذلك فمن المهم استبعاد هذه المشكلات قبل تشخيص الحالة.
حاليا، يؤثر الاكتئاب على شخص من كل 15 شخصا بالغ (6.7٪). وواحد من أصل ستة أشخاص (16.6٪) سوف يعاني من الاكتئاب في فترات معينة في حياته. الاكتئاب يمكن أن يصيب المريض في أي وقت، ولكن في المتوسط، يظهر لأول مرة خلال أواخر سن المراهقة إلى منتصف العشرينيات من العمر. كما أن النساء أكثر تعرضا للاكتئاب من الرجال. وتظهر بعض الدراسات أن (واحدة من كل 3 نساء) ثلث النساء سيتعرضن لنوبات اكتئابية كبرى مرة واحدة على الأقل في حياتهن.
كيف يختلف الاكتئاب عن الحزن؟
وفاة أحد أفراد الأسرة، أو فقدان وظيفة أو إنهاء علاقة غرامية أو زوجية هي تجارب صعبة على المستوى الشخصي. ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان بمشاعر الحزن والألم استجابة لهذه الحالات.
الحزن هو مجرد شعور فريد من نوعه يشعر به كل فرد بطريقة مختلفة والشعور بالحزن لا يعني أبدا أن تكون مصابا بالاكتئاب. كل من الحزن والاكتئاب قد تنطوي على الحزن الشديد والانسحاب من الأنشطة المعتادة. كما أنها تختلف بطرق هامة.
تأتي مشاعر الحزن بشكل متقطع، اما المشاعر المصاحبة للاكتئاب فتستمر لمدة لا تقل عن أسبوعين.
في حالات الشعور بالحزن، لا يفقد الشخص الحزين تقديره لذاته واحترامه لقيمته، أما في الإكتئاب، فيفقد الشخص الشعور بقيمته وتقديره لذاته.
وهذا لا يعني أن الحزن لا يمكن أن يتطور ليصبح اكتئابا، فوفاة أحد الأقرباء المحببين قد يكفي لإدخال الشخص في نوبة اكتئابية. وقد يؤدي فقدان وظيفة أو أن يكون ضحية اعتداء جسدي أو كارثة كبيرة إلى إصابة بعض الناس بالاكتئاب.
ماهي العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب (عوامل الخطورة)؟
عوامل الخطورة للإصابة بالاكتئاب
- بعض الاختلافات في النواقل العصبية الموجودة في المخ
- العوامل الأسرية والاجتماعية والبيئية: الاكتئاب يمكن أن يكون عائليا. وبالتالي، فإن معرفة التاريخ العائلي المرضي مهم جدا. ويبدو أن العوامل العائلية والاجتماعية والبيئية تؤدي أدوارا هامة في سياق مرض الاكتئاب لدى الأطفال والشباب، حتى في الأطفال قبل سن المدرسة. لاحظ رينيه سبيتز (René Spitz) العالم النمساوي في علم النفس الاكتئاب اللازيني (marasmus) ووَصَفَهُ عند الرضع الذين تتم تربيتهم في دار للأيتام والأطفال المنومين في المستشفيات الذين لم يسمح للوالدين بزيارتهم.
- الجينات: تلعب الجينات المتناقلة في العائلة دورا مهما في مرض الاكتئاب. فعلى سبيل المثل، إذا عانى أحد توأمين متطابقين من الاكتئاب، فإن الآخر ترتفع لديه نسبة الإصابة إلى 70%.
- الشخصية: الأشخاص الذين يعانون من انخفاض تقدير الذات، والذين يستسلمون للإجهاد بسهولة، أو المتشائمين عموما هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
- العوامل البيئية: إن التعرض المستمر للعنف أو الإهمال أو سوء المعاملة أو الفقر قد يجعل بعض الناس أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
أسباب الاكتئاب الفيسيولوجية
تشير التجارب السريرية إلى أن الاضطراب في هرمون السيروتونين (هرمون وناقل عصبي) والموجود في الجهاز العصبي المركزي يعدّ عامل مهم للإصابة في المرض. وأن انحفاض مستوياته في مناطف معينة من الدماغ مسؤولة عن هذه الحالة. وتشمل النواقل العصبية الأخرى المسببة للإكتئاب النورإيبينفرين (Norepinephren) والدوبامين (Dopamine) والغلوتامات (Glutamate). ومع ذلك، فإن الأدوية مثل الكوكايين أو الأمفيتامينات التي تسبب زيادة حادة في توافر الناقلات العصبية المذكورة، لا تملك فعالية مضادات الاكتئاب العلاجية.
ترتبط حالة الاكتئاب مع انخفاض النشاط الأيضي في القشرة المخية وزيادة النشاط الأيضي في الجهاز الحافّي أو الجهاز النطاقي (limbic system) (والذي يتكون من أجزاء عديدة ظاهرة في الصورة أدناه ومنها قرن آمون واللوزة الدماغية، وتحت المهاد. والجهاز الحافّي هو المسؤول عن الوظائف الإنفعالية في جسم الإنسان، لذلك ينظر إليه بإعتباره المخ الإنفعالي (Emotional brain)، فهو الذي يتحكم فينا حين تسيطر علينا الإنفعالات، كالشهوة والغضب والوله في الحب والتراجع خوفاً والإحباط والحسد والغيرة. ويمكن إجمال وظائف الجهاز الحوفي في مسؤوليته عن سبعة أمور أولها الانفعالات والمشاعر والدوافع والسلوك والعدوانية والذاكرة والتعلَُم).
الخلايا العصبية التي تفرز السيروتونين (Serotonin) والمسؤولة بشكل أساسي عن حالة الاكتئاب موجودة في النواة الجافية الظهرية (Dorsal raphe nucleus)، والجهاز الحافي، وقشرة الفص الجبهي الأيسر.
السيروتونين هو هرمون تنتجه الخلايا العصبية الكيميائية وهو أيضا ناقل عصبي يرسل إشارات بين الخلايا العصبية. السيروتونين يوجد في الغالب في الجهاز الهضمي، على الرغم من أنه يوجد أيضا في الصفائح الدموية وفي جميع أنحاء الجهاز العصبي المركزي.
يتم انتاج السيروتونين من مركب التربتوفان (Tryptophan)، والتربتوفان هو حمض أميني من عائلة الأحماض الأمينية الأساسية. هذه الأحماض الأمينية الأساسية لا يستطيع الجسم تصنيعها بنفسه، بل يجب أن تدخل إلى جسمك من خلال النظام الغذائي الخاص بك، وعادة ما يوجد هذه المركب اللازم لتصنيع السيروتونين في الأطعمة مثل المكسرات (أهمها بذور اليقطين) والجبن واللحوم الحمراء. نقص تريبتوفان يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستويات السيروتونين. هذا يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في المزاج، مثل القلق أو الاكتئاب.
الاكتئاب الموسمي هو شكل من أشكال الاكتئاب الرئيسي الذي ينشأ عادة خلال الخريف والشتاء ويتعافى خلال الربيع والصيف. وتشير الدراسات إلى أن الاضطرابات العاطفية الموسمية هي نتيجة التغييرات في مستويات السيروتونين في الجهاز العصبي المركزي ويبدو أن سبب هذه التغيرات هو التغيرات في النظام الليلي النهاري (circadian rhythm) والتعرض لأشعة الشمس.
كما أن الدراسات تشير أن التقدم في العمر والتغيرات التي تطرأ على الدماغ قد تكون سبب في الإصابة بالاكتئاب في سن متأخرة.
علاج الاكتئاب
عادة ما يستجيب الاكتئاب للعلاجات الدوائية والعلاج النفسيي الاجتماعي سويا بشكل جيد.
العلاج الدوائي
إن العلاج الدوائي وَحدَه لا يعدّ كافيا لعلاج حالات الاكتئاب عند الأطفال والمراهقين، بل يتطلب الأمر دمج العلاج النفسي الاجتماعي مع العلاج الدوائي (psychotherapy)
تبدأ أعراض الاكتئاب بالتقهقر بعد الالتزام بالعلاج الدوائي لفترة لا تقل عن أسبوعين ولا تزيد عن 12 أسبوع. غالبا ما تفشل العلاجات الدوائية نتيجة عدم التزام المريض بالدواء وأوقات تناوله.
ينص القانون التوجيهي ل جمعية الأطباء الأمريكية لعام 2008 على ضرورة تغيير نوع علاج اضطراب الاكتئاب إذا لم يستجب المريض استجابة كافية للعلاج الدوائي في غضون 6 إلى 8 أسابيع. أما في حالة استجابة المريض للعلاج، ينبغي أن يستمر على نفس العلاج لمدة 4 إلى 9 أشهر أخرى بالنسبة المرضى الذين عانوا من الإكتئاب لأول مرة، والذين لم تصاحبهم محاولات للإنتحار أيّة أفكار كارثيّــة!
هناك أكثر من عائلة دوائية تُستخدم لعلاج الاكتئاب ومنها: (أضغط على أحد المجموعات أدناه لتقرأ المزيد عنها)
مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI)
مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين / ونظير الأدرينالين (SNRIs)
مضادات الاكتئاب الغير نمطية
منظمات نشاط السيروتونين والدوبامين نشاط (SDAMs)
مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCA)
مثبطات أوكسيديز أحادي الأمين (MAOIs)
العلاج النفسي
غالبا ما يتم العلاج النفسي على بزيارة العيادات الخارجية مع جلسة أسبوعية لمدة 60 دقيقة. وعلى الرغم من وجود تباين واسع في طريقة وكمية الجلسات المطلوبة، فإن العلاج النفسي يميل إلى أن يكون محدودا بفترة زمنية وعدد جلسات محدد (على سبيل المثال، 16 جلسة).
علّق